في مكتبة الجامعة
التمس منها الدفء فتجنب مظهره الغريب وسار بجانب الرجل الذي أتى إليه كالنجدة ..... واتجه بشدق القرية المؤدي لمنزل العمدة.... في حظيرة بمنزل العمدة ....جلس صبي في الخامسة عشر من عمره على حاجز طعام للماشية يسمى طوالة ..... قال وهو ينظر لعينيه واسعة جدا ...نظرته بها محبة فائقة وقال _ عارفة يا سكرة .....كلهم عايزيني أبيعك ... بس أنا ممكن ابيع البت سمكة بذات نفسيها ولا أبيعك يا لهطة القشطة أنت ..... أطرفت ذات العينين الواسعة عدة مرات وهي تنظر له ...ربت نعناعة على رأسها بحنان وقال _ كلها أيام وتولدي ....و.... قاطعه صوت خوار حاد ....ثم أتت سما على باب الحظيرة وهي تتحدث بغيظ _ واد يا نعناعة! .....أنت هتفضل تكلم في الجاموسة دي كتير ! بتحب جاموسة يا منيل ! ربت نعناعة على رقبة الجاموسة الذي اطلق عليها اسم سكرة وقال بزهو _ وما أحبهاش ليه يابت ! دي بتخلف في السنة مرتين وساعات تلاته... بتجبلنا قشطة وجبنة مغرقة الدار وطول النهار تلهطي فيهم لما بقيتي شبه الكرنبة .... حملت سما عقدة من البرسيم كانت من ضمن عقد كثيرة بجانب الحائط ودفعتها بوجه أبن عمها الذي يصغرها بسنوات كثيرة وقالت بغيظ _ أنا شبه الكرنبة يا زرع البصل .....هم على المندرة أبويا العمدة بينادي عليك .... شكل معاه حد غريب.... تأفف نعناعة وقال بعصبية _ معرفش اقعد أنا وسكرة لوحدينا شوية يعني ! ..... القصد......قوليله جاي .... غادرت سما الحظيرة بخطوات سريعة لتخبر خالها العمدة ......بينما نظر نعناعة للماشية التي تحرك فمها الواسع بالطعام وقال لها برقة _ ولا يهمك منها يا حبيبتي ...دي بقرة ....أنما أنت ...أنت جاموسة ! وضع ملابسه المبتلة على طبلية خشبية تتوسط المكان ثم جلس جاسر بالمندرة على أريكة مقلمة من قماش التنجيد التقليدي ....وقال له الرجل _ بأذن الله انت وزمايلك معزومين عندي بكرة ....كده كده كنت محضر العزومة ومرتب كل شيء ...زمان الخبر وصلهم كمان دلوقتي في الوحدة ...... تعجب جاسر من الرجل .... حتى دلف الصبي نعناعة وقال _ نعم يا بويا العمدة ... فهم جاسر الأمر ...إذن هذا الرجل يكون عمدة البلد ....اتضح الأمر الآن ...ليس بالغريب أن يجتمع بهم بترحيب ..... قال الرجل معنفا ابنه _ سلم على ضيفك الأول يا غبي !! نظر نعناعة لجاسر الذي يرتدي عباءة سوداء على لحم صدره العاړي الظاهر من ياقة العباءة ....كتم ضحكته واقترب له قائلا _ شرفت وأنست .... اغتاظ جاسر من ضحكة نعناعة ورد عليه من بين أسنانه ...قال نعنناعة وفلتت منه ضحكة خفيضة الصوت _ أنت لابس العباية على اللحم كده ليه ! ...... أنت زعلانة من حاجة ! أصر جاسر على أسنانه بعصبية ليتحكم ويتجنب سخرية الصبي ...والأكثر سخرية انه بالفعل يضيق مما فعلته الفتاة الريفية به ...آه لو كانت أمامه الآن ! مرت الخاطرة بعقله في غيظ ..... قال العمدة له في أمر _ شيل الهدوم دي وخلي أخواتك ينضفوها وينشفوها ....بسرعة خف رجلك .... أخذ الولد الملابس المبتلة مطيعا أمر والده ...... وقفت جميلة مع حميدة بمطبخ منزل خالها العمدة ....وشردت كلا منهما بخواطرها ..... ضغطت جميلة على زر الخلاط الكهربائي وهي تعد عصير الجوافة الطازج ....ثم تذكرت سقوط الشاب الوسيم بالترعة وضحكت رغما عنها ..... انتبهت لها حميدة وخرجت من شرودها متسائلة _ بتضحكي على إيه يا جميلة ! ارتفعت ضحكات جميلة أكثر ثم قالت _ هبقى احكيلك بعدين لما نخلص العصير وابعته المندرة ....على ما نحضر الغدا كمان ..... بس مين هو الضيف اللي مع خالك ! أجابت حميدة دون دراية بالأمر وبلا اكتراث _ مش عارفة ....بس عادي يعني ما ضيوف خالك كتير ...أنت ناسية انه العمدة ! قالت جميلة _ عندك حق ..... هخلص اللي في ايدي واجي اساعدك في الغدا .... صبت جميلة العصير الطازج في كوبين كبيرين من الزجاج وأرسلته مع أبن خالها الذي كان متوجها وبيده لفافة من الملابس المبتلة متوجها اليهم .... أتت سما بنفس اللحظة متسائلة عن الضيف فقال لها نعناعة بعجالة _ خدي الهدوم دي اغسليها ونشريها يابت ....وانا هاخد العصير ده اوديه للضيف ..... أخذت سما منه الملابس ومرت سريعا مبتعدة ....وقد أخذ نعناعة صينية العصير من يد جميلة التي نظرت للملابس بشك ....! حاولت التذكر .....والوان الملابس وهي مبتلة تبدو الوانها أغمق من وهي جافة .....تمنت أن يكن شكها بغير محله والا ستتعرض لموقف محرج أمام خالها حتى وأن كان معها الحق ...... بعدت الفكرة عن رأسها ...فكيف سيعرف ذلك الشاب أنها تقرب لعمدة القرية !! ....بالتأكيد ضيف آخر ...هكذا اقنعت نفسها وهي تعود للمطبخ .... وفي المندرة ...... تحدث العمدة مع جاسر بعض الأحاديث ثم قال بمكر _ أنت قولتلي أن اسمك جاسر الزيان صح هز جاسر رأسه بالإيجاب .....تابع الرجل قائلا بشيء من التحذير _ طب نصيحة ليك يا أبني ...ده زي أبني برضو ....ما تقوليش اسم عيلتك لحد من البلد ....خالص ... اكد العمدة حديثه بنظرة مؤكدة ....تفاجئ جاسر من قوله وتساءل بدهشة _ ليه ! كان رد العمدة اجابة مفبركة وليست حقيقية ..اضطر على قولها _ أصل كان عندنا واحد هنا من نفس الاسم ده...وكان مكروه والناس مشته من البلد ...مش لازم اقول تفاصيل يعني ربنا ستار حليم .....ولكن اسم عيلته شبيه لاسم عيلتك ....تشابه اسماء يعني ....خلي بالك عشان مايفتكروش أنك قريبه ولا حاجة .... ضيق جاسر عينيه بضيق ....لم يعتاد قول اسمه غير هكذا ....ولكن يبدو أن العمدة لم يحذر هباء..... ويبدو أن الأمر الذي أخفاه عن الرجل المطرود من القرية خطېر.... هز رأسه بالإيجاب وقال _ خلاص مافيش مشكلة .....في كل الأحوال احنا مش هنستمر هنا ....يعني مدة القافلة ونمشي ....نقضيها بهدوء ومن غير مشاكل أفضل ..... أتى نعناعة بصينية العصير الطازج ووضعه أمام الضيف ....نظر جاسر بغيظ لعصير الجوافة الذي اتضح من رائحته ....وتذكر تلك الفتاة قاطفة الثمار .....ثمار الجوافة ! قال العمدة بترحاب _ اشرب يابني العصير ...بل ريقك لحد الغدا ما يجهز ..... تنهد جاسر ورفع كوب العصير لفمه وقال قبل أن يرتشف منه _ مش لازم غدا يا عمدة ....كفاية العصير ده وهقوم أمشي لما هدومي تنشف شوية ...واجبك وصل ..... صمم الرجل على ذلك وقال _ والله تبقى عيبة في حقي .....بقى تدخل بيتي وتخرج من غير ما تاخد واجبك ودي تيجي !......طب على الأقل اعتبره ترحيب بيك وبزمايلك ...... مع أصرار الرجل وانتظار الملابس المبتلة لتجف ....جلس جاسر مضطرا ......عابس الوجه