في مكتبة الجامعة
المرأة دون سبب مقنع ! عاد يوسف للوحدة البيطرية ...وبيده الفطائر الذي التهم منها ما يقرب نصفها .....وفي خاطره يتسأل عن الموقف الغاضب لتلك الفتاة المجهولة .... التي يحاول يتذكر متى رآها ....! وجهها مألوف إليه لدرجة كبيرة !! فوجد رعد وآسر على حالهما في الخيمة ....يتجاذبون أطراف الحديث .... تعجبا من ما بيد يوسف ...! ولم يتعجبا بنفس الوقت ..! اقترب يوسف منهما ووضع الفطائر على طاولة خشبية امامهما وقال بابتسامة مرحة _ جبتلكم فطير أنما إيه .....حاجة كده هتاكلوا صوابعكم وراها ..... مد رعد يده بشهية للفطير الطازج ...اللامع بالسمن البلدي...ورائحته النفاذة اللذيذة التي تؤكد على أن جودته عالية .....اخذ قطعة صغيرة تملأ فمه ومضغها في نهم .....هز رأسه بابتسامة واعجاب ثم قال _ فعلا جميل أوي .....بس جبته منين ! جلس يوسف أمام الطاولة وهو يتابع أكل الفطير وروى لهما ما حدث .....قال آسر بعتاب _ أنت مش هتبطل تضعف بالشكل ده قدام الأكل ! ....ده مرض ! يعني هتبقى مبسوط لما يتقال عليك حرامي في مرة ! قطب وجه يوسف في عبوس كالطفل المعاقب ....ثم قال بشيء من الندم _ كان نفسي في الفطير من زمان ....أنا أول مرة اعمل كده ...على طول بستأذن ....بس البنت دي مش عارف ليه حسيت أني أعرفها ....كأني شوفتها قبل كده ! كأن بينا عشم والله ...لكن أنا مش باخد حاجة من غير اذن صاحبها .... وعموما أنا اعتذرت ليها وهي قبلت وادتني فطرتين كمان وهي مبتسمة كده ....بس مش عارف ليه اتبدلت في ثانية !! عاد رعد لمرحه بعدما فهم يوسف .....نظر لآسر الذي كتم ابتسامته هو أيضا ويبدو أنه فهم سبب ڠضب الفتاة ......فقال آسر له بضحكة _ مش عارف ياغبي ! ...... يعني فهمتها أنك دكتور في الوحدة البيطرية وعرضت عليها اقتراح استشارة وعايزها ما تزعلش ! اكيد افتكرت أنها حمارة ولا معزة .... انخرطا آسر ورعد في موجة من الضحك واتسعت عين يوسف في دهشة .... ثم قال وهو ينهض بقوة _ صح ممكن تكون افتكرت كده ....بس أنا مش أقصد والله .... تابع بنظرة ضيق _ لو شوفتها تاني هعتذرلها ....كانت لطيفة وكريمة معايا أوي بصراحة ..... جلس مرة أخرى وقال مبتسما وهو يتذكر _ صدفة غريبة ....بس جميلة .....اتمنى تتكرر تاني .... قال رعد مبتسما بغمزة ماكرة _ هي السنارة غمزت ولا إيه يا چو ..! من أولها كده يا واقع ! اعترض آسر على حديث رعد وقال _ سنارة إيه وغمزت إيه يا أبني ! ...هو لحق ! وبعدين دي بنت بسيطة يعني و..... قاطعه يوسف بمقت وقال _ هو اكيد رعد مكبر الموضوع بس يعني يا آسر كلامك أنت الغريب .....هو يعني البنات هنا مايتحبوش ولا إيه ! ولا هتعمل زي جدك ! صحح آسر رأيه وقال _ مش أقصد اللي فهمته .... بس مجرد رأي يا يوسف .... أنا عارف أنك مش بتفكر كتير في الفوارق ..... بس مهم تفكر ..... ده الواقع... قال يوسف مبتسما بسخرية وقال _ أنت كبرت الموضوع اوي كده ليه يا أبني أنت ! .....أنت حسستني أني قولتلكم أني بحبها وعايز اتجوزها ! عاد رعد بظهره للمقعد وقال لهما الأثنان بمكر _ تعرفوا بقى .....أنا مش بفكر في فوارق خالص .....أنا يوم ما اتجوز واحدة .....هختار واحدة تجنني ..... تطير النوم من عيني .....اخوكم عاقل ...عاقل ...عاقل ...ومحتاج شوية جنان .... نظر آسر له بضحكة ساخرة _ اتجوز واحدة من مستشفى المجانين ...وبالمرة تجرب فيها ابحاثك في الطب النفسي .... رد يوسف بابتسامة شاردة _ يابني هو الجواز ده صفقة تجارية ! ......الجواز يعني انسانة تكملك وتلاقي منها الطبطبة والحنية ...... ويا حبذا لو طباخة هايلة ..... ده هتاخد قلبي وأبراج عقلي كمان .... تنهد آسر بسخرية وهو ينظر لهما ورد عليهما _ انتوا خياليين بزيادة يا شباب .....بصوا لأرض الواقع شوية..... وبعدين ما احنا حبينا خدنا إيه يعني ! تبدلت نظرة آسر للألم فقال رعد بغيظ _ أنت اللي اخترت غلط ...وغلطك الأكبر أن التجربة دي أثرت على نظرتك كلها !! ....اكيد التكافؤ لازم يبقى موجود بين الزوجين بس يعني يا آسر لو قابلت بنت بسيطة واعجبت بيها وقدرت تشدك .... لقيت فيها نصك التاني ....حسيت أنها ينفع تكون ام ولادك ....هتسيبها عشان أقل منك في الشهادات أو مش من عيلة غنية ! ....... تابع بسخرية _ يبقى كده الفقير يتجوز الفقيرة والغني يتجوز الغنية .....يخلفوا جيل أسياد وعبيد .....الحياة ابسط من كده بكتير والله... والزوجة الصالحة دي بالدنيا ... وافقة يوسف بينما آسر يبدو كأنه لم يقتنع بحديثهما ..... في الأرض الزراعية ..... خلع جاسر ملابسه المبتلة من ماء الترعة وفردها على أفرع أحدى الأشجار وهو يتلفظ الشتائم بغيظ .....لفحه البرد وقرص جسده فبدأ في موجة من العطاس ...... لا يستطع العودة إلى زملائه بالفريق هكذا ولا السير بين سكان القرية بهذه الملابس التي تعتصر ماء ...! قال وهو يرتعش جسده من البرد _ بقى أنا يتعمل فيا كده ....بنت ال.....ماشي ....لو وقعت في ايدي تاني مش ...... انتبه جاسر لصوت رجل صادر من الطريق ....الټفت له فوجده رجل يبدو أنه تخطى الخمسين من العمر...يرتدي جلباب أبيض وعليه عباءة رجالية سوداء تشبه الروب .....وبيده عصاه يتوكأ عليها .....قال العمدة عبد السميع بتساؤل _ أنت مين يا أبني ومالك عامل كده ! لاحظ الرجل ذلك الشاب العاړي الصدر والذي يفرد ملابس على فروع الأشجار ....شكله غريب عن شباب القرية .....رد جاسر وهو يضغط على أسنانه من البرد _ أنا دكتور وصلت النهاردة ضمن القافلة الطبية .... تعثر في قول الحقيقة ...وبدأ عليه أنه ينتقي الكلمات فتابع _ اتزحلقت ووقعت في الترعة دي وهدومي ڠرقت .... قلعتها ومستنيها تنشف ..... نظر العمدة إليه في نظرة غامضة وسأله _ أنت اسمك إيه ! أجاب جاسر _ اسمي جاسر الزيان ..... تأكد العمة من ظنه ...ابتسم وهو يهز رأسه وقال كأنه يمزح _ الجو مغيم وكله شتا ....هتفضل مستني الهدوم تنشف كتير معلش ......تعالى معايا البيت احسن ...نتغدا وأخلي أهل البيت يغسلوها وينشفوها ...... بدا العرض مرضيا لجاسر ...خصوصا أنه يحتاج اليه بالفعل .....ولكنه نظر للملابس واحتار مجددا كيف يسير وهو عاري الصدر هكذا ...فهم الرجل حيرته وعرض عليه عباءته السوداء وقال وهو يخلعها من على كتفيه _ البس دي احسن ما تاخد برد يا دكتور ..... لملم جاسر ملابس واتجه ناحية الرجل ...شكره بامتنان وهو يرتدي العباءة على صدره