سلسلة الاقدار كاملة بقلم نورهان العشري

موقع أيام نيوز


بدا ذلك علي وجهها و تجلي في نبرتها حين قالت 
انت بتعمل كل دا عشاني ولا عشان شكلك اقصد شكلكوا قدام الناس
لم يكن شخصا لينا أو حنونا بطبعه بل كان جافا طوال حياته ولكنه الآن يقف أمام نسخة مصغرة من ابنه الراحل و ضحېة لحربهم معا و للحظه خالطت أفكاره صورة لطفله صغيرة بجسد ضئيل و عينين كبيرتين تشبهان بحرا اسودا يحاكي سواد شعرها الغزير الذي كان يصل لمنتصف طولها كانت الوحيدة التي برغم صغرها لا تهابه و تهرول دائما جبروته تنصهر أمام برائتها و فتنتها كانت الوحيدة التي تحظى بدلاله فلاحت ابتسامه خافته علي شفتيه حين تذكرها وهي تتعثر بخصلاتها تستقبله وهو يدخل من باب المنزل و قد كان هذا اروع استقبال يحظي به 

فبالرغم من كل شئ كانت تلك الطفلة الجميلة هي الوحيده التي استطاعت اختراق دوافعه و التربع علي عرش قلبه الذي اعتصره الألم ذلك اليوم وهي تغادر مع والديها و قد تذكر حين التفتت تناظره من نافذة السيارة تلوح له و تبتسم ببراءة للحد الذي جعل
تلك الابتسامة تنطبع في قلبه 
عمر الضفر ما يخرچ من اللحم يا بتي و مهما حوصول أنت بت ابني و يهمني مصلحتك 
فاجأته حين اغرورقت عينيها بالدموع وقالت بتأثر
أنهت كلماتها دافنه وجهها بين كفوفها تنتحب بقوة علي حظها العاثر الذي انتزعهم سابقا من بين جذورهم و أهلهم ليلقي بهم بين فوهات الچحيم الذي كان ختامه فجيعتها التي لو مضي الف عام لن تستطيع تخطيها 
تفاجئت بقوله حين قال نادما 
حجك عليا يا بتي انا جعدت ادور عليكوا كتير جوي ربنا العالم متخليتش عنكوا واصل بس نصيبنا أكده حجك عليا 
كان شعورا متبادلا بالاحتياج من قبل كليهما جعله يفتح ذراعيه في دعوة شابها التوسل الذي لون عينيه و جعلها تهرول الي داخل ذراعيه تنشد الأمان الذي لم يلامس قلبها منذ فراق والدها الراحل و الذي كان أكثر ما تتمناه في هذه الحياة فأخذت تشدد من احتضانها له و فعل هو الآخر مثلما فعلت وقد كان بداخله يلعن كل تلك السنوات التي ابعدتهم عنه 
كان المشهد مروعا لهؤلاء الأربعة الذين كانوا يأكلوا خطواتهم حتي يصلوا الي تلك البحيرة و بداخلهم قلوب تتوسل بألا يكون قد حدث لها مكروه ليتفاجئوا بأنها آمنه لأول مرة منذ سنين بين أحضان جدها الذي كان يطوقها بذراعيه و هو يشير بعصاه الي البعيد وهي الأخرى تتحدث بحماس و كأنها طفلة صغيرة تستمع الي إحدى قصصها المفضلة 
تجمد الجميع بأرضه
من صډمه المشهد الا هو فقد تحررت قدماه و ناداها بصوت مرعب
جنة 
اي يا فرح مش هتسلمي علي چدك ولا اي 
هكذا تحدث عبد الحميد ناظرا اي فرح بعتب خفي أطل من عينيه مما جعل فرح تتراجع خطوتين و هي تناظره پصدمه جعلت الحروف تتعثر بفمها وهي تجيبه
لا انا مقصدتش بس انا كنت خاېفه علي جنة أما ملقتهاش وو 
لم تستطيع أن تصيغ حديثها فصمتت ليتابع هو بتقريع
و تخافي علي
چنة ليه وهي وسط أرضها و اهلها و ناسها 
تدخل سالم الذي فطن الي لعبه ذلك العجوز الداهية فقال پغضب ساخر
يمكن عشان فجأة ملقتهاش في البيت و اختفت بشكل مريب !
عبد الحميد ببراءة لا تشبه نظراته أبدا
وه و اي المريب في انها چت تجعد شويه مع چدها
سالم بفظاظة
يمكن الطريقه الي خرجت بيها جنة من البيت كانت مريبة ولا اي يا حاج عبد الحميد 
عبد الحميد باستنكار
كنك بتحاسبني ولا اي 
سالم بجفاء
لا مش بحاسبك بس ايه الغرض انك تخوفنا بالشكل دا 
اجابه عبد الحميد بهدوء مستفز
ولا بخوفكوا و لا حاچه شيعت الخدامه تشوف چنة لو صاحيه تبعتهالي جولت افرچها علي أرضها على ما ترتاحوا من السفر 
انكمشت ملامح فرح باستفهام انساب من بين شفتيها
أرضها 
ابتسم عبد الحميد قبل أن يقول بتأكيد 
أومال يا بتي كل الأرض الي حواليك دي ملكنا أبا عن چد و انتوا ليكوا حج فيها مهينفعش تاچوا البلد من غير ما تعرفوا حجكوا فين انا مش هعيشلكوا العمر كله 
طولة العمر ليك يا چدي حسك بالدنيا محاوطنا 
انتبه الجميع لهذا الصوت القوي القادم من الخلف و الذي كان لرجل ثلاثيني فارع الطول متناسق الجسد يرتدي الجلباب الصعيدي ذو هيبه تشبه كثيرا الأرض التي يمتلكها يتميز بعنفوان و شموخ تجلي في أنفه المرتفع والذي يلائم كثيرا عينيه التي لونتها خضرة داكنه تشبه لون العشب المحيط بهم مع بشړة ذات سمرة مميزة اكتسبها من أشعة الشمس الحارقه التي كان يعمل تحتها دائما فجعلته رجل صلب قوى ينهزم أمامه أعتي الرجال كما أنه كان يملك ذكاء حاد يكلله بعض الدهاء الذي ورثه عن جده الذي الټفت يناظره فتهللت أساريره قبل أن يقول بفخر 
هاه عمار وصل اهلا يا ولدي جرب عشان تتعرف علي بنات عمك 
اقترب عمار منهم بخطوات وقوره تلائمه قبل أن يعرفه جده بجنة التي مازالت تحت حصار ذراعه والتي حيته بلطف و تحفظ الي أن آتي دور فرح فقال عمار بوقار 
أهلا يا ضكتورة 
تجاوزت صډمتها حين رأته و لكنها لم تستطيع سوي ان تبتسم بعد أن سمعت هذا اللقب منه فمدت يدها تصافحه وهي تقول بشجن 
اذيك يا عمار ياااه لسه فاكر
لاح شبح ابتسامه بسيطه علي فمه قبل أن يقول بخشونة
و انسي ليه و بعدين هي الذكريات
الحلوة بتتنسي بردك يا فرح
لم يتثني لها إجابته فقد اخترق مسامعها صوت كان كالزئير في قوته 
حاج عبد الحميد عندنا كلام لسه مخلصش أجلناه كتير وأظن جه وقته 
كانت الغيرة تتشعب بداخله كنبات شيطانى يتغزي علي دمائه التي أصبحت تغلى بداخله حتي جعلته
ينفس الهواء ساخنا من أنفه وقد أشتدت ملامحه بطريقة مرعبة بعثت الړعب بداخلها حين التفتت إليه فهالها ما رأت فقد كان كأنه جمرة مشتعله بنيران الچحيم الذي كان يتنافى تماما مع كلمات عمار الهادئه حين قال 
و مستعچل ليه يا سالم بيه لسه جدامنا وجت طويل نتحدته براحتنا 
سالم پغضب لون ملامحه و امتزج بنبرة صوته الفظة
مش مشكلتي انك فاضي و موراكش حاجه انما انا وقتي غالي 
لم يجبه إنما انكمشت ملامحه بتعبير ساخر تزامنا مع نظرات لونها التهكم فشكل وجهه لوحه عنوانها الاستخفاف به و بحديثه و قد كانت هذه الإهانه ابلغ رد منه لغطرسة سالم الذي انتفضت عروق رقبته ڠضبا و تحفزت جميع دوافعه للهجوم علي ذلك الذئب الماكر الذي يناظره فصار الهواء من حولهم مغبرا مما جعل عبد الحميد يتدخل قائلا بصرامة
نتغدى لول وبعدين نشوفوا المواضيع دي بعدين لازمن تشوف كرم الضيافه حدانا يا سالم بيه 
بعد عدة ساعات تناول الجميع الطعام و توجه الجد عبد الحميد الي مكتبه يليه سالم الذي تحدث بفظاظه قاصدا أن يصل الحديث الي مسامع الجميع
عايز اتكلم معاك لوحدنا يا حاج عبد الحميد 
وماله اتفضل 
لم يحسب حساب لدهاء خصمه الذي لم يعير حديثه اي اهتمام بينما تحدث قاصدا أن يصيب أكثر نقاطه حساسيه حين قال 
يالا يا فرح عشان افرچك أنت كمان علي أرضك و بالمرة نوكلك توت من الشچرة الي عالتورعة لسانك بتحبيه
كان الأمر كارثي للحد الذي جعله يأخذ قرارا بأن يرتدي حزامه الناسف و يخترق حدود العدو قاصدا الفتك به في عقر داره فالټفت ينوي إحراق هذا الرجل بنيران غضبه الچحيمي فتدخل مروان الذي فطن الي تلك الحړب الداميه التي علي وشك الحدوث وقال بلهفه 
اه والنبي خدوني معاكوا انا وحلا اصل انا بحب الغيطان و الأراضي والحاجات دي اوي 
لم تجيبه حلا التي كانت في واد آخر لا تشعر بما يحدث حولها فتدخل ياسين قائلا پغضب دفين 
ما تروح انت لوحدك هتجرجرها معاك ليه 
اغتاظ مروان من حديث ياسين الذي كان مدركا لما يحدث ومع ذلك لا يبالي بالعواقب فقال مندفعا
هترمح زي البهايم في الغيط تحب تيجي ترمح معانا 
اغتاظ ياسين منه و أوشك بالرد عليه فجاء حديث عمار الصارم حين قال
وماله سيبهم يا ولد عمي اهو نفرجهم علي
البلد عشان يعرفوا هما مناسبين مين 
كانت كلماته تحمل تحدي كبير لذلك الذي تألمت عظامه من فرط الڠضب فأتي صوت عبد الحميد من خلفه قائلا 
مش يالا يا ولدي عشان نكملوا حديتنا كنك رچعت في كلامك ولا اي 
تخلص من الهواء الذي ېحرق رئتيه دفعه واحده واعطى نظرة قويه لمروان الذي فطن الي ما يقصده فأعطاه غمزة خفيه سرعان ما انمحت حين سقط كف عمار القوي علي كتفه وهو يقول بسخريه خشنه 
مش يالا بينا يااا جولتلي اسمك اي
الټفت مروان بلهفه الي ذلك الرجل القوي وقال باندفاع
مروان محسوبك مروان 
زفر سليم حانقا فكل ما يحدث و يحيط بهم لا يبشر بالخير فقد كانوا و كأنهم محاصرين في وادي مليئ بالذئاب التي ينبعث المكر و الڠضب من بين نظراتهم لذا كان داخليا يهئ نفسه بخوض معركة داميه معهم أن لزم الأمر و قد حمد ربه داخليا أنه ألهم اخيه لتنفيذ فكرة زواجه منها وهذا هو الشئ الوحيد الذي يجعله قادر علي التنفس للآن 
تعالى معايا عايز اتكلم معاك 
هكذا وجه
حديثه لجنة التي لأول مرة كان تنفسها هادئا و ملامحها مرتخيه فبالرغم من كل ما حدث فهي الآن تشعر بأن خلفها جدار صلب يمكن أن تتكئ عليه براحه 
مش دلوقتي يا سليم الكلام الي بين جدي و سالم يخصك ولازم تحضره يالا بينا 
للحظه كان يود لو يلكمه بقوة في أنفه ولكنه تراجع علي مضض متمتما پغضب 
أغتت إنسان علي وجه الأرض 
و بعدين يا شيرين هنعمل ايه
هكذا تحدثت همت مع شيرين التي كانت غاضبة حد الچحيم المستعر بقلبها وهي ترى تلك المرأة بجانبه فصاحت بانفعال
ادينا مستنيين يا ماما أما نشوف هيحصل اي
همت بانفعال
انا مش فاهماكي أنت شويه مطمنه و شويه متعصبة في ايه
زفرت پغضب و التفتت تقول بنفاذ صبر
مطمنه عشان مخططه كويس لكن هطق من الزفته الي لازقه لسالم دي
اومال انا اعمل ايه بقى في خيبتي البيه اتجوزها 
كان هذا صوت مروة التي جمعت حقائبها و وضعتهم بجانب الأريكه التي جلست عليها بإحباط و ألم فصاحت همت مستنكرة
أي يا بنتي الشنط دي أنت راحه فين 
ماشيه هقعد اعمل
ايه 
شيرين پغضب
تمشي فين يا هبله انت
مروة بحزن
هقعد اوجع قلبي عالفاضي و أنا شيفاه مع الست هانم انا امشي احسن 
همت بتقريع
يا هبله عايزة تمشي
 

تم نسخ الرابط